💢 معلم زاول المهنة لمدة ثلاث وثلاثين سنة و زاره يوماً متابع من أعضاء المتابعة.
♦️ حضر المتابع الحصة مع المعلم ولكنه خرج مستاءً من آداء المعلم "كبير السن" ودعاه لمناقشة سرية في مكتب مدير المدرسة. ولم يستطع المتابع إخفاء غضبه من المعلم وقال له معاتبا :
👈 " استاذ (فلان)! لقد كنت أعتقد أنك ستقدم درساً مثالياً نظراً لتجربتك الكبيرة وخبرتك المهنية و كفاءتك العلمية التي كنا نضرب بها المثل. والحقيقة أنك خيبت آمالي بمتابعة حضرتك.
👈 فقال المعلم :
ماذا كان علي أن أفعل سيدي المتابع المحترم؟
👈 فقال المتابع:
أولا أنا الومك لوماً شديداً لكثرة جلوسك وقلة وقوفك مع قلة الكتابة على السبورة كما أنك اكتفيت بإملاء التلاميذ بعض الجمل والحث على القراءة. ولم تستعمل الوسائل التكنولوجية إلا قليلا جداً. ولم تتحرك كثيرا بين الصفوف.
👈 سكت المعلم برهة ثم قال:
أنا رجل جاوزت الخامسة والخمسين من العمر. بدأت بمزاولة المهنة لسنوات طويلة في مدرسة ريفية كنت أركب لها يومياً ثلاث مواصلات غير ترجلي للمدرسة حوالى ٢ كيلو على قدمى لصعوبة وصول أى وسيلة مواصلات للمدرسة. وكنت في مقتبل العمر وكان جسمي قادراً على تحمل البرد القارس في مدرسة لا تدفئة بها. وكنت اضطر الى ارتداء جميع ملابسي حتى استطيع الصمود. غير أن ذلك خلف في جسمي" روماتيزما" مزمناً سكن مفاصلي واستقر في الظهر والركبتين، فأصبحت أشكو آلاما حادة عند المشي والوقوف. ثم عند تقدمي في السن تقرحت قدماي فأصبحت أتنقل بصعوبة إلى المدرسة وأصل الى قاعة التدريس بشق الانفس. وكنت في باديء الامر أقف لأكتب على السبورة ساعات. وقد تقدمت بطلب لتسوية معاشي لأسباب صحية غير أن طلبي قوبل بالرفض لعدم الاقتناع بتقريري الطبي.
👈 سيدى المتابع المحترم:
عاتبتني على نسياني لعنصر من عناصر الدرس والحقيقة أنني نسيت هذا الصباح أن أصطحب معي مفاتيح بيتي ونسيت محمولي ونسيت أن آخذ قرصاً من دواء ضغط الدم وقرصاً من دواء السكر وقرصا ومن دواء القلب. وسبب كل ذلك يعود الى أن بوادر الزهايمر قد بدات تظهر علي بسبب هذه المهنة التعيسة. فلا تلمني.
بالفصل ٥٠ تلميذاً متراصون حول تخت متلاصقة في قاعة أقرب الى الزنزانة منه الى فصل تعليمي.
فكيف تريدني أن أتجول بينهم مرات ومرات. ثم إنك تحدثت عن الوسائل التكنولوجية المساعدة. فهل يصح ذلك في مدرسة بعض قاعاتها مظلمة دون مصابيح ودون نوافذ صالحة ودون أبواب صالحة وحتى دون تخت أحيانا.
👈 زيارتك لي أغضبتك مني لأسباب مهنية على ما يبدو. ولكنها أغضبتني منك لأسباب إنسانية.
لقد نظرت الى املاءات القوانين واللوائح ولم تنظر الى املاءات الضمير والأخلاق. زورتني لتقدم الى إدارتك تقريراً عني وعن آدائي بفصولي، ولم تزورني يوماً لتوفر لي ما احتاجه في عملي وما يحفظ كرامتي أمام تلاميذي وما يساعدني على تأدية ما تطالبني به.
👈 لقد زرت رجلاً يجمع أدواته ويستعد لمغادرة المهنة بأكثر الأضرار لا أخفها فكان عليك أن تواسيني لا أن تعتب علي. وكان عليك أن تأتي لتكرمني لا أن تحاسبني. وكان عليك أن تطلب لي ألف عذر قبل أن تعاتبني. فالجندي الذي أُلقي به في أرض المعركة وحيداً دون سلاح ودون زاد ومع ذلك رابط ولم يهرب إنما هو بطل وجب توسيمه لا توبيخه.