الجمعة، 2 ديسمبر 2016

فضفضة " تعساَ للكذب "


"
سأتحدث رمزًا حتى لا يحزن أحد ... و ما هي إلا فضفضة "
         كانوا يقولون أشياء لا أفهمها ..أو لا يريدون أن أفهمها !!! وقالوا أني لا أفقه شيئا .. وأن علي أن أتعلم لغة الصمت .. فللصمت لغة سرية .."" سر الذهب الرنان ,,
         صمت من ذهب .. أو أن أكون ببغاء جميل . أردد ما يقولون ..وما لا يقولون ... أو ما يطرحونه في أذني .. وعقلي . وبالتأكيد ما يطرحونه في فمي  .
         ما أسهل هذا ! أن تبتلع الكلام .. وتستفرغه متى أرادوا !!! ولكنهم أحياناً كانوا يطلبون مني شيء من الكلام .. وشيء من الشعر والنثر . وربما شيء من الخرائط و الرسوم و الوسائل ... ويتحدثون عن كلامي و ما له فضائل وعن كلام من فضة بيضاء .... انتهى عهد الذهب ودخلنا قرن الفضة .. إن طلبوا الكلام تكلمت ,, وما بين الذهب والفضة ..كؤوس تقرع ..
        لم أشك في نواياهم ..وصدقتهم ..فتورطت في الشرك الذي نصبوه .. لم يأت كلامي على مقاسهم .. ولا على نغمة وترهم ,ولكنهم قطعوا لساني ومنعوني من الكلام . ممنوع حتى من الصمت . وعقدوا جلسة محكمتهم في ليل أسود .
       وحين أجدت الكلام ..أدركوا أني أتفوق عليهم في أفكاري العارية . فألتف حبل طويل على عنقي .. كان لا بد ان أهرب من حبل الأفكار القصير ..إلى حبل الكذب الطويل ,, فهربت ,, وغنيت. وأدمت أكفُهم من التصفيق .
رغم عني أصبحت ببغاء ..أردد ما يقولون ..وما لا يقولون ..وما يريدون ..وما يحلمون به ..وعندما يكون الصمت من ذهب !!! أبتسم لحديثهم ..وأهز رأسي ليقتنعوا بذكائهم الخارق ..
أنا أنافقهم في غبائهم .. بذريعة السكوت من ذهب ,, أنافقهم في غبائهم بذريعة الكلام من فضة.
وفي فمي ماء ...
لما لا ؟؟ رعاكم الله .. فنحن أمة الكلام ..والاقوال والموال .. والتأويل والتهويل والتزمير والتطبيل ,,وتحوير الكلام ..والاستنباط .والاستهلال .والاستطراد . والاستدراك .والاستحمار والاستبقار . وبحور اللغة ..والعروض ,, والردف . والعطف . والسجع والخوض والبتع والرتع وهديل الحمام .
يريدون كلام .. ساشبعكم من رذيلة اللسان . أليس به نُكَبُ على وجوهنا في جهنم ؟
سأعصر الكلمات في فمي وأمهدها وأهذبها لتصبح خمرة تذهب العقول .. وتذيب القلوب . تسيل عذبة ساحرة تخلب اللب .. تماماَ كنبيذ العنب .
        إن الببغاء الذي يتكلم كثيرا هو الأغلى وهو الأفضل من الذي يتحدث عند الإشارة فقط. أما ذاك الببغاء الذي لا يتكلم فسوف ينتزعوا ريشه ليصبح عاريا ... جاهزا للشواء.
        كان لا بد لي من لسان طويل كي أتقن الغناء .. فاخترعت لهم لسان لا يشق له غبار.. وتشرئب له أعناق الإبل في الفضاءات والأكوان .. لسان عابر للكلمات .. خارق حارق للقلوب والعقول .. يقتل كالسيف ..يداوي كطبيب محترف .يخلط العسل بالسم الزعاف .
       سأغني غنائهم حتى لا ينتزعوا ريشة من جناحي .. حتى لا يقطعوا لساني ... وحتى لا اتعرى في نواديهم السافلة .
و يجب على أفكاري العارية أن تتعلم الكذب لتحتفظ بريشها الملون الجميل .. أو أصبح عارياً بصمت ..
 " تعساَ للكذب "
واللعنة على اللسان الذي يكذب ...