الأربعاء، 29 مايو 2019

الحقيقة لا تظهر إلا ليلا



كل شيء في النهار مصمم لخداعك.. كل شيء يدفعك لتعتقد زورًا بأنك إنسانٌ كامل.. تجلس في المقهى فتأخذ كرسيًّا كاملًا وحدك.. ويحضر لك عامل المقهى  كوبًا كاملًا من القهوة.. تركب القطار أو السيارة فتجلس على مقعد كامل.. ثم تدخل مقرّ العمل فتجلس إلى مكتب كامل وحدك.. ولَك هاتفك وجهازك الخاصيّن.. كل شيء يتآمر ضدّك ليعطيك الإحساس بأنك كلّ متكامل ومستقلّ..
وحده الليل يكشف لك الحقيقة..
حقيقة أنك لست أكثر من نصف إنسان .. وحده الليل من يشاهد تلك اللحظات الثقيلة والكثيفة التي تئن فيها روحك بحثًا عن نصفك الآخر.. وحده من يخبرك أن كل إنجازاتك هشة وبائسة و باهتة وباردة ومعدومة القيمة.. وحده من يشاهدك تتقلب في سريرك مصارعًا تلك الحاجة الهائلة للالتحام بنصف آخر.. متمنيا أن تمسك بيديه.. تسمع صدى اسمك من شفتيه.. أو ترى انعكاس عينيك في عينيه..
وحده الليل من يخبرك أن هذه الحياة معركة.. ولا يمكن لجندي بذراع واحدة وساق واحدة وعين واحدة أن ينتصر.. ثم تنام.. هربًا من كلامه القاسي ومن سياط دقّات الساعة.. وتستيقظ.. ليخدعك النهار مرّة أخرى!