عارف إيه مشكلتك يا كارم....
إن نفسك كل شي في حياتك يكون واضح ومستقر وثابت ومحدد
المعالم.. نفسك دراسة جيدة بتخصص جيد.. وأصدقاء رائعين ومرحين .. يحبّون السفر والأغاني
والكتب والست وكأس العالم.. و نفسك شغل ممتاز.. في صلب تخصصك.. شغل يستغل علمك ويبرزه..
شغل تتدرج فيه بانتظام وهدوء من منصب لمنصب ومن نجاح إلى نجاح.. و نفسك زوجة جميلة
ومثقفة وبتحبك.. وأهلك بيحبوها وأهلها بيحبوك.. تعيش معها الحب بمراحله.. والخطوبة
بأفلامها ومقالبها.. والزواج بمراحله وذكرياته وحميميته.. وتجيب منها أولاد شاطرين
وحلوين وأذكياء.. عصافير صغار.. يشبهوها ويشبهوك.. وبيت واسع في منطقة جميلة وهواها
حلو.. وإجازات صيفية سنوية.. لبلاد خضرا بعيدة.. تغسل فيها تعبك وترجع بكومة من الصور
والذكريات..
نفسك حياة ما ينغصها إلا نزلة برد..
أو تسريب في الغسالة الأوتوماتيك.. نفسك حياة يكون أكبر همومك فيها إنه بنتك سنّها
بيوجعها.. أو إن وزنك زاد شوي ولازم ترجع تسجل في الجيم.. أو إن والدتك نفسها تروح
العمرة.. ومش لاقية مكتب مناسب..
نفسك حياة مستقيمة وممهدة كأنها طريق
ريفي بتحفه المزارع.. طريق قادر تشوف أوله وآخره وتستمتع بكل لحظة فيه..
بس الحياة عمرها ما كانت ولا راح
تكون هكذا يا كارم.. على الأقل مش في الزمان والمكان اللي احنا عايشينهم.. وهذا مش
غلطك.. ولا غلطنا.. لكن هي الأمور هكذا..
الحياة هنا عبارة عن جسر مهلهل من
الألواح الخشبية القديمة والأحبال المهترئة.. جسر يغطيه ضباب كثيف بارد .. وتحته وادي
سحيق ماله آخر.. وما في شي مثبتك على الجسر إلا اللوح الضعيف اللي تحت رجليك.. اللوح
اللي وراك وقع.. واللي قدامك لسه ما ركب.. ولا تعرف متي راح يركب.. والهوا بيلاعبك
ويلاعب الجسر وفي قلبك.. وفِي كل شي ثانِ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق