الأربعاء، 24 يوليو 2019

لحظة تساوي وزنها ذهبا..


لا.. لا أكره الناس.. لا يمكنك أن تقولي ذلك.. ربّما أكون قد غضبت منهم في مرحلة ما.. شتمتهم قليلا.. لعنتهم ربّما.. قلت فيهم أفظع الشتائم وأحقر الألفاظ.. نمت ليال طويلة وأنا أتمنى أن ينسفهم نيزك أو تبتلعهم الأرض ..أن يحتضروا ببطء وألم.. وتتفسّخ أعضاؤهم وتتعفن ويأكلها الدود وهم ينظرون! نعم.. ربّما أكون قد فعلت ذلك.. لكن هذا كله قد انتهى الآن.. مرحلة الحزن الساذج والغضب الطفولي ولوم العالم هذه قد انتهت.. الآن يمكنك القول أنني متصالح مع الناس.. أو بشكل أدقّ، لا أشغل بالي بهم..
الآن أعدت ترتيب الأشياء، واضعا نفسي في المقدمة.. أفعل ما أودّ فعله.. وأحصل على ما يجب الحصول عليه.. بأقل قدر من الاعتبار لما يمكن أن يسببه ذلك من حزن وغضب للآخرين.. بل يمكنني القول حتّى أن حزنهم يدغدغني أحيانا .. لأنك تكتشف بعد فترة أن ما كان يصوّر لك على أنه مساعدة، لم يكن في الحقيقة سوى استغلالا.. وأن ضرورياتك التي نحرتها على مذبح الإيثار والشهامة، قد نحرت حقيقة من أجل كماليات الآخرين.. وأنّ كل تلك الأشياء الرائعة التي فاتتك، لم تكن لتفوتك لو أنّك امتلكت القليل من الشجاعة الضرورية لقول لا، وأنّ "لا" هذه ليست كارثة كما كنت تظنّ.. ولَم يكن لينهار العالم فعلا لو قلتها.. ولكان الناس قد وجدوا حلولا أخرى.. واستمرت الحياة..
لكن هذه المعرفة ليست مجانية.. لا تهبط عليك من السماء.. إنَّما تأتي في تلك اللحظة التي تدرك فيها أن العالم الذي أمضيت عمرك متعاطفا معه، لن يتعاطف معك في أزماتك.. وأن هذا العالم الذي سرقت روحك وأنت تحاول ألّا تنهار أركانه.. قد وقف صامتا متفرجا عندما انهارت أركانك أنت.. وأنّك لم تكن طيبا كما كنت تحبّ أن تسمّي نفسك، مغفّلا..
لحظة اكتشاف هذه الخدعة هي لحظة مؤلمة بالفعل.. لكنها تساوي وزنها ذهبا.. لحظة فارقة وخالدة وقطعية.. وليس ما بعدها كما قبلها.. إنها اللحظة التي يحصل فيها الإنسان على أغلى ممتلكاته..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق